اختراق الهواتف الذكية عبر الصور: تحليل معمق للثغرات، الهجمات الحقيقية، واستراتيجيات الدفاع

 اختراق الهواتف الذكية عبر الصور: تحليل معمق للثغرات، الهجمات الحقيقية، واستراتيجيات الدفاع



 ما وراء عناوين الأخبار - حقيقة التهديد

تنتشر في وسائل الإعلام عناوين مثيرة تثير القلق حول إمكانية اختراق الهواتف الذكية بمجرد استلام أو فتح صورة. هذه الادعاءات، رغم أنها تبدو وكأنها من نسج الخيال العلمي، تستند إلى حقيقة تقنية معقدة. يهدف هذا التقرير إلى تقديم تحليل معمق ومستند إلى الأدلة للإجابة على السؤال المحوري: هل يمكن حقًا اختراق هاتفك عبر صورة؟ الإجابة المختصرة هي نعم، ولكنها عملية نادرة تتطلب ظروفًا محددة ومستوى عاليًا من التطور التقني.   


يستكشف هذا التقرير مسارين رئيسيين يمكن من خلالهما استخدام الصور لأغراض ضارة. المسار الأول هو تقني بحت، حيث يتم تصميم صورة بشكل خبيث لاستغلال ثغرة أمنية في البرامج التي تعالجها، مما يؤدي إلى تنفيذ تعليمات برمجية ضارة. المسار الثاني هو نفسي، حيث تُستخدم الصورة كأداة في هجمات الهندسة الاجتماعية لخداع المستخدم وحثه على اتخاذ إجراء يعرض أمنه للخطر.


لفهم هذه التهديدات، يجب أولاً فهم مفهوم "سطح الهجوم" (Attack Surface). يمثل كل برنامج على الهاتف يتعامل مع بيانات من مصادر خارجية، مثل الصور، سطحًا هجوميًا محتملاً. ونظرًا لانتشار الصور في حياتنا الرقمية اليومية، فإن مكتبات معالجة الصور في أنظمة التشغيل والتطبيقات تشكل سطح هجوم واسعًا ومغريًا للمهاجمين.   


سيقدم هذا التقرير تحليلاً شاملاً يبدأ من المبادئ الأساسية التي تسمح لصورة بتنفيذ تعليمات برمجية، مرورًا بتشريح هجمات حقيقية هزت عالم الأمن السيبراني مثل "Stagefright" و "FORCEDENTRY"، وصولًا إلى استراتيجيات الدفاع التي تستخدمها المنصات الرقمية والمستخدمون لحماية أنفسهم. من خلال هذا التحليل، سيتم فصل الحقائق التقنية عن المبالغات الإعلامية، وتقديم رؤية واضحة لطبيعة هذا التهديد وكيفية مواجهته.


الفصل الأول: تشريح الهجوم - كيف يمكن لصورة أن تنفذ تعليمات برمجية؟

إن فكرة أن ملف بيانات غير قابل للتنفيذ بطبيعته، مثل صورة، يمكن أن يتحول إلى أداة اختراق تبدو غير منطقية للوهلة الأولى. ومع ذلك، يكمن السر في كيفية تعامل البرامج مع هذه الملفات على مستوى منخفض. هذا الفصل يغوص في الآليات التقنية التي تجعل هذا السيناريو ممكنًا، محولًا ملف صورة من مجرد بكسلات إلى ناقل لتعليمات برمجية ضارة.


1.1 مفهوم تنفيذ التعليمات البرمجية عن بعد (RCE)

يُعد "تنفيذ التعليمات البرمجية عن بعد" (Remote Code Execution - RCE) الهدف الأسمى للمهاجمين، وهو يمثل أخطر أنواع الثغرات الأمنية. تسمح ثغرة RCE للمهاجم بتشغيل أي أوامر برمجية يختارها على جهاز الضحية عن بعد، عبر شبكة عامة أو خاصة. هذا يعادل اختراقًا كاملاً للنظام، مما يمنح المهاجم سيطرة تامة تمكنه من سرقة البيانات الحساسة، أو تعطيل الخدمات، أو نشر برامج الفدية (Ransomware)، أو استخدام الجهاز المخترق كنقطة انطلاق لمهاجمة أنظمة أخرى داخل الشبكة. إن وجود ثغرة RCE في مكون يعالج الصور أمر خطير بشكل خاص، لأن الصور منتشرة في كل مكان وغالبًا ما تتم معالجتها تلقائيًا بواسطة التطبيقات دون أي تدخل من المستخدم.   


1.2 مكتبات معالجة الصور: الساحة الخلفية للمعركة

عندما يعرض هاتفك صورة JPEG أو PNG، فإنه لا "ينظر" إليها ببساطة. بدلاً من ذلك، يستخدم مكتبة برمجية متخصصة لقراءة (parse) البيانات الثنائية للملف وترجمتها إلى بكسلات على الشاشة. هذه المكتبات، مثل libjpeg لمعالجة صور JPEG، وlibpng لصور PNG، وlibstagefright في نظام أندرويد لمعالجة الوسائط المتعددة، و CoreGraphics في أنظمة أبل، هي المكونات الأساسية التي تقوم بهذا العمل.   


نظرًا لأن هذه المكتبات غالبًا ما تكون مكتوبة بلغات برمجة منخفضة المستوى مثل C و C++ لتحقيق أقصى قدر من الأداء، فإنها تكون عرضة لأخطاء إدارة الذاكرة. إن تعقيد مواصفات تنسيقات الصور المختلفة يفتح الباب أمام ثغرات يمكن استغلالها. إن نظرة سريعة على قاعدة بيانات الثغرات والتعرضات الشائعة (CVE) تكشف عن تاريخ طويل من الثغرات الأمنية في هذه المكتبات الأساسية، بما في ذلك ثغرات في libjpeg و libjpeg-turbo  وثغرات عديدة في    


libpng. هذا يثبت أن سطح الهجوم ليس نظريًا، بل هو حقيقة موثقة ومستمرة.   


إن وجود ثغرة في مكتبة أساسية مثل libjpeg-turbo له تداعيات واسعة النطاق. فالثغرة لا تؤثر على تطبيق واحد فقط، بل على آلاف التطبيقات وأنظمة التشغيل التي تعتمد على هذه المكتبة لعرض الصور، من متصفحات الويب على أجهزة الكمبيوتر المكتبية إلى تطبيقات الوسائط الاجتماعية على الهواتف. الجهد الهائل المطلوب لتصحيح ثغرة واحدة عبر هذا النظام البيئي الواسع يسلط الضوء على التأثير المضاعف لخلل واحد في مكون برمجي أساسي.   


1.3 الآليات الأساسية للاستغلال

يمكن للمهاجمين استخدام صور مصممة خصيصًا لاستغلال الأخطاء في مكتبات المعالجة عبر عدة آليات رئيسية:


تجاوز سعة المخزن المؤقت (Buffer Overflows): هذه واحدة من أقدم الثغرات وأكثرها شيوعًا في البرمجة. يمكن تشبيهها بصب كمية كبيرة من الماء في كوب ذي حجم ثابت، مما يؤدي إلى فيضان الماء وانسكابه على المناطق المجاورة. تقنيًا، يحدث هذا عندما يحاول برنامج كتابة بيانات في جزء من الذاكرة (مخزن مؤقت أو buffer) يتجاوز حجمه المخصص. يمكن للمهاجم إنشاء ملف صورة يحتوي على بيانات تتسبب عمدًا في هذا الفيضان، مما يسمح له بكتابة تعليمات برمجية ضارة في مناطق الذاكرة المجاورة التي قد تحتوي على بيانات حساسة أو مؤشرات للتحكم في تدفق البرنامج. تمثل الثغرات المكتشفة مؤخرًا في برنامج FastStone Image Viewer أمثلة واضحة، حيث يمكن لملف GIF أو PSD ضار أن يتسبب في "كتابة خارج الحدود" (out-of-bounds write)، مما يؤدي إلى تنفيذ تعليمات برمجية.   


تجاوز سعة الأعداد الصحيحة (Integer Overflows): هذه الثغرة أكثر دقة وتعتمد على خداع البرنامج في حساباته. عندما يقرأ البرنامج ملف صورة، فإنه غالبًا ما يحسب حجم الذاكرة المطلوب تخصيصها بناءً على الأبعاد أو البيانات الوصفية الموجودة في الملف. إذا تمكن المهاجم من توفير قيم في ملف الصورة تؤدي إلى تجاوز نتيجة العملية الحسابية للحد الأقصى الذي يمكن للمتغير الرقمي (integer) استيعابه، فإن القيمة "تلتف" (wraps around) وتصبح رقمًا صغيرًا جدًا. نتيجة لذلك، يخصص البرنامج مساحة ذاكرة أصغر بكثير من اللازم. ولكن عندما يحاول البرنامج لاحقًا نسخ بيانات الصورة الفعلية إلى هذا المخزن المؤقت الصغير، يحدث فيضان هائل في الذاكرة يمكن استغلاله. هذه الآلية كانت حجر الزاوية في استغلال ثغرة Stagefright الشهيرة.   


الخلط بين الأنواع وهجمات إلغاء التسلسل (Type Confusion & Deserialization Attacks): في بعض الحالات، يمكن خداع التطبيق ليعالج نوعًا من البيانات على أنه نوع آخر. على سبيل المثال، قد يتم إرسال ملف PDF متنكر في هيئة ملف GIF. إذا كان محلل PDF يحتوي على ثغرة، فقد يتم تشغيلها حتى لو كان التطبيق يعتقد أنه يتعامل مع صورة. وبالمثل، فإن هجمات إلغاء التسلسل تستغل الثغرات في عملية إعادة بناء كائنات البيانات من تدفق بايتات، مما قد يسمح بتنفيذ تعليمات برمجية إذا تم تفسير البيانات المقدمة من المستخدم بشكل خاطئ على أنها قابلة للتنفيذ.   


الفصل الثاني: هجمات "انعدام النقر" (Zero-Click) - بوابة الاختراق الصامت

بعد فهم كيف يمكن لصورة مصممة بشكل خبيث أن تستغل ثغرة برمجية، يبرز السؤال التالي: كيف تصل هذه الصورة إلى الجهاز وتُشغِّل الهجوم دون أي تفاعل من الضحية؟ هنا يأتي دور هجمات "انعدام النقر" (Zero-Click)، وهي الفئة الأكثر تطورًا وخطورة من الهجمات الإلكترونية، والتي تحول تطبيقات المراسلة اليومية إلى بوابات صامتة للاختراق.


يُعرَّف هجوم انعدام النقر بأنه استغلال لثغرة أمنية لا يتطلب أي إجراء من المستخدم على الإطلاق؛ لا نقر على رابط، ولا فتح ملف، ولا الرد على رسالة. يتم الهجوم بمجرد استلام الجهاز للبيانات الضارة ومعالجتها تلقائيًا في الخلفية. هذا النوع من الهجمات فعال للغاية لأنه يسلب الضحية فرصة اتخاذ قرار أمني، مثل تجاهل رسالة مشبوهة.   


تعتبر تطبيقات المراسلة الفورية مثل الرسائل النصية القصيرة (SMS)، ورسائل الوسائط المتعددة (MMS)، و iMessage، و WhatsApp، هي الأهداف الرئيسية لهجمات انعدام النقر. السبب في ذلك يرجع إلى تصميمها الأساسي الذي يهدف إلى تحسين تجربة المستخدم. فهذه التطبيقات مصممة لقبول ومعالجة البيانات من مصادر غير موثوق بها (أي شخص يعرف رقم هاتفك أو معرف Apple الخاص بك) بشكل تلقائي لعرض الإشعارات أو إنشاء معاينات للمحتوى. عندما تتلقى رسالة تحتوي على صورة، غالبًا ما يقوم نظام التشغيل أو التطبيق بمعالجة هذه الصورة في الخلفية لإنشاء صورة مصغرة (thumbnail) تظهر في الإشعار أو في قائمة الدردشة، كل هذا يحدث قبل أن تفتح الرسالة أو حتى تكون على علم بوجودها. هذه المعالجة التلقائية هي بالضبط النافذة التي يستغلها هجوم انعدام النقر.   


إن الطبيعة الخفية والنجاح المرتفع لهجمات انعدام النقر تجعلها أسلحة سيبرانية ثمينة، خاصة بالنسبة للجهات الفاعلة المتقدمة مثل الدول القومية والشركات التي تبيع برامج التجسس مثل NSO Group. يمكن أن يتم اختراق الجهاز بالكامل دون أن يترك المهاجم أي أثر واضح للمستخدم العادي، ربما مجرد إشعار بمكالمة فائتة من رقم غير معروف أو رسالة تختفي ذاتيًا بعد تنفيذ الهجوم.   


هناك توتر متأصل بين تقديم تجربة مستخدم غنية وسلسة والحفاظ على نموذج أمني صارم. إن الميزات التي نقدرها جميعًا، مثل المعاينات الفورية للصور والروابط في تطبيقات المراسلة، هي نفسها التي تخلق سطح الهجوم المثالي لهجمات انعدام النقر. فلكي يقدم التطبيق معاينة، يجب عليه أن "يثق" ويعالج البيانات الواردة تلقائيًا. إذا كانت عملية المعالجة هذه تحتوي على ثغرة (كما تم تفصيله في الفصل الأول)، يتم اختراق الجهاز قبل أن تتاح للمستخدم فرصة للشك أو الحذر. هذا التوازن الدقيق بين الراحة والأمان يمثل أحد أكبر التحديات في مجال أمن الهواتف المحمولة اليوم.


الفصل الثالث: دراسات حالة حقيقية - من النظرية إلى الواقع

لترسيخ المفاهيم النظرية التي تمت مناقشتها، لا يوجد دليل أقوى من تحليل الهجمات الحقيقية التي أثبتت بشكل قاطع أن اختراق هاتف عبر صورة ليس مجرد احتمال، بل هو واقع ملموس. يستعرض هذا الفصل اثنتين من أبرز دراسات الحالة في تاريخ الأمن السيبراني: ثغرة "Stagefright" التي استهدفت نظام أندرويد، وهجوم "FORCEDENTRY" الذي استخدمته برامج التجسس Pegasus ضد أجهزة آيفون.


3.1 Stagefright: الرعب الذي أصاب نظام أندرويد

في عام 2015، تم الكشف عن مجموعة من الثغرات الأمنية الخطيرة في نظام أندرويد، أُطلق عليها مجتمعة اسم "Stagefright". الاسم مشتق من المكتبة البرمجية الأساسية المسؤولة عن معالجة الوسائط المتعددة في أندرويد،    


libstagefright. كانت هذه الثغرات كارثية من حيث نطاقها، حيث أثرت على ما يقدر بنحو 950 مليون جهاز، أي حوالي 95% من جميع أجهزة أندرويد في ذلك الوقت.   


كان ناقل الهجوم الأساسي هو رسالة وسائط متعددة (MMS) مصممة بشكل خبيث تحتوي على ملف فيديو (MP4) أو صوت (MP3) ضار. يتم تشغيل الثغرة عندما يقوم تطبيق الرسائل الافتراضي على الجهاز، مثل Google Hangouts، بمعالجة الرسالة الواردة تلقائيًا لإنشاء معاينة. هذه العملية كانت تتم في الخلفية دون أي تفاعل من المستخدم، مما يجعلها هجوم انعدام نقر كلاسيكيًا. بمجرد استغلال الثغرة، يمكن للمهاجم تنفيذ تعليمات برمجية عن بعد، مما يمنحه القدرة على الوصول إلى البيانات، والكاميرا، والميكروفون.   


من الناحية التقنية، كانت إحدى الثغرات الرئيسية (المعروفة بالمعرف CVE-2015-3864) عبارة عن ثغرة تجاوز سعة عدد صحيح (integer overflow) في وظيفة MPEG4Extractor::parseChunk أثناء معالجة جزء معين من ملف الفيديو يُعرف بـ 'tx3g'. أدت عملية حسابية خاطئة لحجم المخزن المؤقت المطلوب إلى تخصيص ذاكرة أقل بكثير من اللازم. عندما حاول البرنامج بعد ذلك نسخ بيانات الفيديو إلى هذا المخزن الصغير، حدث فيضان هائل في الذاكرة (heap overflow) يمكن للمهاجم التحكم فيه لتنفيذ تعليمات برمجية ضارة. وقد نجح الباحث الأمني جوشوا دريك في تطوير استغلالات عملية لهذه الثغرة أثبتت فعاليتها على الرغم من وجود آليات حماية مثل ASLR (توزيع عشوائي لمساحة العنوان).   


كانت تداعيات Stagefright هائلة، حيث دفعت جوجل إلى إطلاق برنامج تحديثات الأمان الشهرية لنظام أندرويد. ومع ذلك، سلطت الضوء أيضًا على مشكلة التجزئة (fragmentation) الحادة في النظام البيئي لأندرويد، حيث أن العديد من الأجهزة، خاصة القديمة أو منخفضة التكلفة، لم تتلق التصحيحات الأمنية اللازمة أبدًا، مما تركها عرضة للخطر.   


3.2 FORCEDENTRY: سلاح Pegasus ضد أجهزة آيفون

إذا كانت Stagefright تمثل القوة الغاشمة من حيث نطاق التأثير، فإن FORCEDENTRY تمثل الدقة والتطور التقني. تم الكشف عن هذا الهجوم في عام 2021، وهو عبارة عن استغلال "يوم الصفر" (zero-day) من نوع انعدام النقر تم استخدامه من قبل شركة NSO Group الإسرائيلية لنشر برنامج التجسس سيئ السمعة Pegasus على أجهزة آيفون الخاصة بالنشطاء والصحفيين. وصف باحثو جوجل هذا الهجوم بأنه "سلاح لا دفاع ضده".   


كانت سلسلة الهجوم مبتكرة للغاية. تم تسليم الاستغلال عبر تطبيق iMessage على شكل ملفات تحمل امتداد .gif لجعلها تبدو كصور متحركة غير ضارة. ولكن في الواقع، كانت هذه الملفات عبارة عن ملفات PDF ضارة مصممة بعناية. كان هذا التنكر يهدف إلى تجاوز "BlastDoor"، وهو نظام حماية (sandbox) أضافته أبل في نظام iOS 14 خصيصًا لفحص وتأمين المرفقات الواردة عبر iMessage ومنع مثل هذه الهجمات.   


يكمن جوهر الثغرة (المعروفة بالمعرف CVE-2021-30860) في مكتبة معالجة الرسومات CoreGraphics الخاصة بشركة أبل. على وجه التحديد، كانت الثغرة عبارة عن تجاوز سعة عدد صحيح عند تحليل تدفق بيانات مضغوط بتنسيق JBIG2 داخل ملف PDF الضار. كان تنسيق JBIG2، وهو تنسيق ضغط قديم وغير شائع للصور أحادية اللون، هو الخيار الأمثل للمهاجمين لأنه معقد ونادرًا ما يتم فحصه بحثًا عن ثغرات. من خلال التلاعب في حساب عدد الرموز (   


numSyms) في تدفق JBIG2، تمكن المهاجمون من التسبب في تجاوز سعة عدد صحيح، مما أدى إلى تخصيص مخزن مؤقت صغير جدًا (syms) ثم الكتابة خارج حدوده عند معالجة بيانات الصورة، مما مهد الطريق لتنفيذ التعليمات البرمجية.   


الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن التحليلات التقنية تشير إلى أن الهجوم كان قادرًا على تجاوز آليات الحماية المتقدمة في معالجات أبل مثل "رموز مصادقة المؤشر" (PAC) وتعطيل "توزيع عشوائي لمساحة العنوان" (ASLR) قبل حدوث الانهيار الرئيسي الذي سببته ثغرة JBIG2. هذا يشير بقوة إلى أن FORCEDENTRY كان هجومًا متعدد المراحل، يعتمد على ثغرة أولية غير معروفة لتعطيل الدفاعات، تليها ثغرة JBIG2 للسيطرة على الجهاز.   


إن التطور من Stagefright إلى FORCEDENTRY يوضح سباق تسلح واضح بين المهاجمين والمدافعين. بينما استغلت Stagefright ثغرة مباشرة نسبيًا، تطلب هجوم FORCEDENTRY سلسلة معقدة من الخداع والاستغلال لاستهداف مكون غامض (JBIG2) بهدف تجاوز دفاع مصمم خصيصًا (BlastDoor). هذا يوضح أن المهاجمين، عندما يتم تأمين الأسطح الهجومية الشائعة، ينتقلون إلى الأجزاء الأكثر تعقيدًا والأقل تدقيقًا في النظام، مدركين أن التعقيد هو عدو الأمان.


السمة


Stagefright


FORCEDENTRY


اسم الاستغلال


Stagefright


FORCEDENTRY


نظام التشغيل المستهدف


Android (2.2 إلى 5.1.1)


iOS, macOS, watchOS (قبل 14.8)


ناقل الهجوم


رسالة وسائط متعددة (MMS)


رسالة iMessage


نوع الملف المستخدم


MP4, MP3


PDF, PSD (متنكرة كـ GIF)


المكتبة المستهدفة


libstagefright


CoreGraphics


نوع الثغرة الأساسية


تجاوز سعة عدد صحيح (Integer Overflow)


تجاوز سعة عدد صحيح (Integer Overflow)


الأهمية والابتكار الرئيسي


كشف عن مشكلة التجزئة في أندرويد؛ أدى إلى تحديثات أمنية شهرية.


تجاوز دفاعات متقدمة (BlastDoor)؛ استغلال متعدد المراحل لمكون غامض (JBIG2).



التصدير إلى "جداول بيانات Google"

الفصل الرابع: فك شيفرة المفاهيم الخاطئة - علم إخفاء المعلومات (Steganography) مقابل الاستغلال المباشر

غالبًا ما تقع وسائل الإعلام في فخ الخلط بين مفاهيم تقنية معقدة، مما يؤدي إلى انتشار معلومات غير دقيقة. أحد أكثر هذه المفاهيم الخاطئة شيوعًا في سياق اختراق الهواتف عبر الصور هو الخلط بين "علم إخفاء المعلومات" (Steganography) والاستغلال المباشر للثغرات. هذا الفصل مخصص لتوضيح الفارق الجوهري بين المفهومين وتصحيح السرد الإعلامي الخاطئ.


علم إخفاء المعلومات هو فن وتقنية إخفاء بيانات سرية (مثل رسالة نصية أو ملف قابل للتنفيذ) داخل ملف آخر يبدو غير ضار (مثل ملف صورة أو صوت) بطريقة لا يمكن ملاحظتها بالعين المجردة. إحدى الطرق الشائعة هي التلاعب بـ "البت الأقل أهمية" (Least Significant Bit - LSB) في بيانات البكسل لكل لون في الصورة. هذه التغييرات الطفيفة لا تؤثر على المظهر المرئي للصورة، ولكنها تسمح بتضمين كمية كبيرة من البيانات المخفية.   


وهنا تكمن النقطة الحاسمة: علم إخفاء المعلومات يخفي البيانات، لكنه لا يجعل ملفًا غير قابل للتنفيذ قابلاً للتنفيذ بطبيعته. بعبارة أخرى، إذا أخفى مهاجم ملف فيروس (   


virus.exe) داخل صورة (cat.jpg)، فإن الملف الناتج سيظل صورة. عند فتح هذه الصورة باستخدام عارض صور قياسي، سيعرض البرنامج الصورة ولن يقوم بتشغيل الفيروس المخفي. فالبيانات المخفية تظل كامنة وغير نشطة.


إذن، ما هو الاستخدام الحقيقي لعلم إخفاء المعلومات في الهجمات السيبرانية؟ يتم استخدامه عادة كتقنية لتجنب الكشف وليس للاختراق الأولي. غالبًا ما تستخدمه البرامج الضارة التي نجحت بالفعل في اختراق النظام. على سبيل المثال، قد يقوم برنامج ضار من نوع "حصان طروادة" (Trojan) أو "برنامج تنزيل" (Dropper) بالاتصال بخادم المهاجم وتنزيل صورة تبدو بريئة. هذه الصورة تحتوي على حمولة ضارة إضافية (مثل برنامج فدية أو أداة تجسس) مخبأة بداخلها باستخدام علم إخفاء المعلومات. يقوم البرنامج الضار الموجود بالفعل على الجهاز باستخراج هذه الحمولة من بكسلات الصورة ثم تنفيذها. الهدف من هذه العملية هو خداع أنظمة أمان الشبكة (مثل جدران الحماية وأنظمة كشف التسلل) التي قد تفحص حركة المرور بحثًا عن ملفات قابلة للتنفيذ ولكنها قد تتجاهل ملفات الصور التي تبدو عادية.   


عندما تظهر تقارير إخبارية عن "عمليات احتيال عبر صور واتساب" تدعي أن صورة واحدة يمكن أن تفرغ حسابك المصرفي ، فإنها غالبًا ما تشير بشكل خاطئ إلى علم إخفاء المعلومات كآلية للاختراق. في الواقع، من المرجح أن تكون هذه الهجمات، إذا كانت حقيقية، ناتجة عن استغلال ثغرة أمنية في مكتبة معالجة الصور الخاصة بواتساب (مثل الثغرة CVE-2019-11932 التي تم الإبلاغ عنها سابقًا )، وهو ما يندرج تحت فئة الاستغلال المباشر التي تمت مناقشتها في الفصول السابقة. يقوم الصحفيون بتبسيط المفهوم التقني المعقد (استغلال ثغرة في محلل الصور) إلى قصة أسهل في الفهم ولكنها غير دقيقة تقنيًا (برنامج ضار مخفي داخل صورة).   


هذا الخلط الإعلامي يخلق "أسطورة أمنية" ضارة. إنه يجعل الناس يخشون "الصور المصابة" بطريقة سحرية، بينما يصرف انتباههم عن التهديد الحقيقي والأكثر واقعية: البرامج غير المحدثة. الدرس الحقيقي المستفاد من هذه الحوادث ليس الخوف من كل صورة، بل إدراك الأهمية القصوى لتثبيت تحديثات البرامج والتطبيقات بانتظام لسد الثغرات الأمنية التي يمكن استغلالها.


الفصل الخامس: خط الدفاع الأول للمنصات - دور إعادة الترميز والتطهير

في مواجهة التهديدات المعقدة التي يمكن أن تحملها الصور، تمتلك المنصات الرقمية الكبرى مثل فيسبوك، وإنستغرام، وواتساب خط دفاع قويًا وغير مرئي في كثير من الأحيان: عملية إعادة ترميز وتطهير الصور. هذه العملية، التي يتم إجراؤها لأسباب تتعلق بالأداء والكفاءة، تعمل كآلية أمان فعالة للغاية ضد معظم هجمات الصور القائمة على استغلال الثغرات.


عندما يقوم مستخدم بتحميل صورة إلى إحدى هذه المنصات، نادرًا ما يتم تخزين الملف الأصلي كما هو. بدلاً من ذلك، تقوم خوادم المنصة بتنفيذ عملية تُعرف باسم "إعادة الترميز" (Transcoding). تتضمن هذه العملية فك تشفير الصورة التي تم تحميلها بالكامل وصولاً إلى بيانات البكسل الأولية، ثم إعادة تشفيرها أو ترميزها في ملف جديد ومحسن. غالبًا ما يتم تغيير حجم الصورة وضغطها لتوفير مساحة التخزين وتقليل استهلاك النطاق الترددي عند عرضها للمستخدمين الآخرين.   


تعتبر عملية إعادة البناء هذه شكلاً فعالاً من أشكال "التطهير" (Sanitization). من خلال إعادة بناء الصورة من الألف إلى الياء، تقوم المنصة بإزالة جميع البيانات الوصفية (Metadata) غير القياسية، والأجزاء المخصصة، والتشوهات الهيكلية في الملف الأصلي التي قد يخفي فيها المهاجم حمولته الخبيثة. إن أي استغلال يعتمد على بنية ملف مشوهة بشكل متعمد - مثل معظم الثغرات التي تم استعراضها في الفصل الأول - يتم تحييده ببساطة لأن هذا التشوه يتم "إصلاحه" أو إزالته بالكامل أثناء عملية إعادة الترميز.   


يمكن رؤية هذا المبدأ بوضوح في كيفية تعامل المنصات المختلفة مع الصور:


واتساب: يقوم التطبيق بضغط الصور المرسلة بشكل كبير، مما يؤدي إلى إزالة معظم بيانات EXIF الوصفية وإعادة بناء الملف. هذا الإجراء يقلل بشكل كبير من المخاطر. ومع ذلك، هناك استثناء مهم: إذا قام المستخدم بإرسال الصورة "كمستند" بدلاً من صورة، فإن واتساب يتجاوز عملية الضغط والتطهير، ويرسل الملف الأصلي كما هو، مما يحافظ على أي مخاطر محتملة قد يحتويها.   


فيسبوك: يمتلك فيسبوك بنية تحتية معقدة للغاية لمعالجة الصور. كل صورة يتم تحميلها تمر عبر خط أنابيب يتضمن تغيير الحجم، وإعادة الضغط، وإعادة التسمية، قبل تخزينها وتقديمها عبر شبكة توصيل محتوى (CDN) متعددة الطبقات. هذه العملية الشاملة تضمن تطهير المحتوى بشكل فعال كجزء من سير العمل التشغيلي العادي.   


إن وجود هذه الآلية الدفاعية القوية يفسر سبب استهداف الهجمات الأكثر تطورًا، مثل FORCEDENTRY، للتطبيقات ذات التشفير من طرف إلى طرف (End-to-End Encryption) مثل iMessage. في هذه الحالة، لا يمكن لمزود الخدمة (أبل) رؤية محتوى الرسالة أو إعادة ترميز الصورة أثناء النقل. وبالتالي، يصل الملف الخبيث إلى جهاز الضحية بحالته الأصلية، مع الحفاظ على بنيته المصممة للاستغلال.


من المثير للاهتمام أن الحاجة التجارية لتحسين الأداء وكفاءة التخزين - أي ضغط الصور لتوفير النطاق الترددي ومساحة القرص - قد أدت بشكل غير مقصود إلى إنشاء واحدة من أقوى الدفاعات الأمنية ضد استغلالات الصور. أصبح الأمان نتيجة ثانوية إيجابية للهندسة الموجهة نحو الأداء، وهو مثال قوي على كيفية تقاطع المتطلبات التشغيلية في مجال ما (الهندسة) لت产生 فوائد عميقة في مجال آخر (الأمن السيبراني).


الفصل السادس: البُعد الإنساني - الهندسة الاجتماعية والذكاء الاصطناعي التوليدي

بينما تركز الهجمات التقنية على استغلال الثغرات في التعليمات البرمجية، هناك فئة أخرى من الهجمات، أكثر شيوعًا وربما أكثر خطورة، تستهدف الثغرة الأكبر على الإطلاق: العقل البشري. تستخدم هذه الهجمات الصور ليس كأداة لتنفيذ تعليمات برمجية، بل كطُعم في عمليات الهندسة الاجتماعية المتطورة لخداع المستخدمين. ومع ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي، دخل هذا النوع من الهجمات حقبة جديدة من التطور والخطورة.


6.1 التصيد عبر رموز الاستجابة السريعة (Quishing)

أحد أشكال الهندسة الاجتماعية البسيطة والفعالة هو "Quishing"، وهو اختصار لـ QR Code Phishing. في هذا الهجوم، تكون صورة رمز الاستجابة السريعة (QR code) نفسها غير ضارة، لكنها تعمل كقناع لإخفاء رابط URL خبيث. يستغل هذا الأسلوب فضول الإنسان وثقته، حيث يقوم المستخدم بمسح الرمز ضوئيًا بهاتفه، الذي يقوم بدوره بفتح الرابط الخبيث في المتصفح. يتجاوز هذا الهجوم آليتين دفاعيتين: الفحص البشري (حيث لا يمكن للمستخدم "قراءة" الرابط من نمط الرمز المربع) وبعض مرشحات الأمان في البريد الإلكتروني التي تجيد فحص الروابط النصية ولكنها قد تتجاهل الصور.   


6.2 صعود الذكاء الاصطناعي التوليدي والتزييف العميق

لقد أحدث الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI) ثورة في قدرة المهاجمين على إنشاء محتوى مزيف ومقنع للغاية على نطاق واسع. لم يعد المهاجمون بحاجة إلى مهارات تقنية عالية لإنشاء هجمات تصيد متقنة.   


هجمات التزييف العميق (Deepfake): هذه هي أخطر تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي في الهندسة الاجتماعية. يمكن للمهاجمين الآن إنشاء:


صور مزيفة: مثل بطاقات هوية مزورة أو صور ملفات شخصية واقعية لحسابات وهمية على وسائل التواصل الاجتماعي لبناء الثقة مع الضحايا.   


صوت وفيديو مزيف: يمثل هذا التهديد الأكثر إثارة للقلق. هناك حالات حقيقية وموثقة، مثل قضية الموظف المالي في هونغ كونغ الذي تم خداعه لتحويل 25 مليون دولار بعد مشاركته في مكالمة فيديو جماعية مع من اعتقد أنه المدير المالي للشركة وزملاء آخرين، بينما كانوا جميعًا شخصيات مزيفة تم إنشاؤها بتقنية التزييف العميق. تستغل هذه الهجمات ببراعة المشاعر الإنسانية مثل الإلحاح والسلطة والخوف لتجاوز التفكير المنطقي للضحية.   


6.3 أتمتة هجمات التصيد

لقد أدت أدوات الذكاء الاصطناعي المتاحة بسهولة، مثل WormGPT و FraudGPT، وتقنيات استنساخ الصوت التي لا تتطلب سوى بضع ثوانٍ من التسجيل الصوتي، إلى "تصنيع" هجمات التصيد. يمكن الآن للمهاجمين ذوي المهارات المحدودة إطلاق حملات تصيد مخصصة ومصقولة للغاية تبدو وكأنها من مصادر داخلية وموثوقة، مما يجعل اكتشافها صعبًا للغاية على المرشحات التقليدية.   


يتضح من هذا التحول أن ناقل الهجوم ينتقل بشكل متزايد من استغلال التعليمات البرمجية إلى استغلال الإدراك البشري. فمع تحسن الدفاعات التقنية (مثل تطهير الصور الذي تمت مناقشته في الفصل السابق) التي تجعل تنفيذ التعليمات البرمجية المباشر أكثر صعوبة وتكلفة، يستثمر المهاجمون في أساليب تتجاوز التكنولوجيا تمامًا وتستهدف "الثغرة" في الثقة وعلم النفس البشري. ويعتبر الذكاء الاصطناعي التوليدي هو المحفز الذي يوسع نطاق هذه الهجمات التي ترتكز على الإنسان ويجعلها أكثر إتقانًا. لم تعد الصورة هي أداة الاستغلال نفسها، بل أصبحت الدعامة التي تعزز المصداقية في عملية نفسية أكبر ومصممة بالذكاء الاصطناعي.


الفصل السابع: توصيات شاملة للحماية - للمستخدمين والمطورين

بعد استعراض التهديدات المتنوعة، من استغلال الثغرات التقنية إلى التلاعب النفسي، من الضروري تقديم إرشادات واضحة وقابلة للتنفيذ. يقدم هذا الفصل توصيات شاملة مصممة لكل من المستخدمين النهائيين والمطورين ومسؤولي الأنظمة، بهدف بناء دفاع متعدد الطبقات ضد هجمات الصور.


ناقل التهديد


وصف موجز


الدفاع الأساسي


الطرف المسؤول


RCE عبر انعدام النقر (مثل FORCEDENTRY)


استغلال ثغرة في محلل الصور عبر رسالة فورية.


تحديث نظام التشغيل والتطبيقات؛ تقوية المكتبات البرمجية من قبل المطور.


المستخدم (تثبيت التحديثات)، المطور (البرمجة الآمنة)


حمولة مخفية بعلم إخفاء المعلومات


إخفاء برامج ضارة في صورة ليقوم برنامج آخر باستخراجها.


حلول كشف التهديدات والاستجابة لها على الأجهزة (EDR) للكشف عن البرنامج المستخرِج.


المستخدم/مسؤول النظام (تثبيت برامج الأمان)


التصيد عبر رموز الاستجابة السريعة (Quishing)


رمز QR خبيث يؤدي إلى موقع تصيد.


يقظة المستخدم؛ استخدام أدوات معاينة وفحص الروابط.


المستخدم


التصيد بالتزييف العميق


فيديو أو صوت مولد بالذكاء الاصطناعي للهندسة الاجتماعية.


بروتوكولات تحقق متعددة العوامل (خارج النطاق)؛ تدريب المستخدمين.


المستخدم/المؤسسة



التصدير إلى "جداول بيانات Google"

7.1 للمستخدمين

تقع على عاتق المستخدم مسؤولية الحفاظ على "نظافة رقمية" أساسية تمثل خط الدفاع الأول.


التحديثات المستمرة: الإجراء الأكثر أهمية على الإطلاق هو الحفاظ على تحديث نظام تشغيل الهاتف وجميع التطبيقات باستمرار. التحديثات لا تجلب ميزات جديدة فحسب، بل تحتوي أيضًا على تصحيحات أمنية حيوية تسد الثغرات التي يستغلها المهاجمون.   


إعدادات التطبيقات والوسائط: من الحكمة تعطيل ميزة التنزيل التلقائي للوسائط (الصور ومقاطع الفيديو) في تطبيقات المراسلة مثل واتساب. هذا يمنع تنزيل الملفات الضارة تلقائيًا ويمنح المستخدم فرصة للتفكير قبل فتحها. بالإضافة إلى ذلك، يجب تثبيت التطبيقات فقط من المتاجر الرسمية (Google Play Store و Apple App Store) وتجنب المصادر الخارجية.   


الشك كآلية دفاع: يجب التعامل بحذر مع أي رسائل غير متوقعة، حتى لو كانت من جهات اتصال معروفة (فقد تكون حساباتهم مخترقة). عند مواجهة رمز QR، خاصة في الأماكن العامة أو في رسائل البريد الإلكتروني غير المرغوب فيها، يجب استخدام تطبيقات تسمح بمعاينة الرابط قبل فتحه، والتأكد من أنه يؤدي إلى موقع ويب موثوق.   


التعرف على الهجمات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي: يجب تدريب النفس على البحث عن علامات التزييف العميق، مثل الإضاءة غير الطبيعية، أو حركة العين غير المنتظمة، أو عدم تطابق حركة الشفاه مع الصوت. بالنسبة للطلبات الحساسة (مثل تحويل الأموال أو مشاركة معلومات سرية)، يجب دائمًا تنفيذ بروتوكول تحقق إضافي، مثل إجراء مكالمة هاتفية على رقم معروف وموثوق لتأكيد الطلب.   


7.2 للمطورين ومسؤولي الأنظمة

يتحمل المطورون ومسؤولو الأنظمة مسؤولية بناء أنظمة قوية وآمنة من الأساس.


تطهير المدخلات (Input Sanitization): يجب التعامل مع جميع مدخلات المستخدم، وخاصة تحميلات الملفات، على أنها غير موثوق بها. من الضروري تطبيق عملية تطهير قوية للصور تتضمن إعادة ترميزها إلى تنسيق آمن، وإزالة جميع البيانات الوصفية، والتحقق من نوع الملف وأبعاده للتأكد من أنه صورة صالحة.   


البيئة المعزولة (Sandboxing): يجب معالجة الملفات التي يحتمل أن تكون خطرة، مثل الصور التي يتم تحميلها من قبل المستخدمين، في بيئة معزولة (sandbox) ذات صلاحيات محدودة. هذا يضمن أنه حتى لو تم استغلال ثغرة في مكتبة معالجة الصور، فإن الضرر سيقتصر على تلك البيئة المعزولة ولن يؤثر على الخادم الرئيسي.   


الدفاع في العمق: يجب توظيف طبقات متعددة من الأمان. يتضمن ذلك استخدام مكتبات برمجية آمنة ومحدثة، وتعيين ترويسات HTTP صحيحة مثل Content-Type و X-Content-Type-Options: nosniff لمنع هجمات استنشاق المحتوى، وتطبيق سياسة أمان محتوى (CSP) قوية لمنع تنفيذ البرامج النصية من مصادر غير موثوق بها.   


حلول أمان الهواتف المحمولة (MTD): بالنسبة للمؤسسات، يعد نشر حلول الدفاع ضد تهديدات الهواتف المحمولة أمرًا بالغ الأهمية. يمكن لهذه الحلول اكتشاف علامات الاختراق، مثل كسر حماية الجهاز (jailbreaking)، أو الاتصال بخوادم القيادة والتحكم (C2) المعروفة، أو تثبيت ملفات تعريف ضارة.   


خاتمة: مشهد تهديدات متغير باستمرار

في ختام هذا التحليل المفصل، نعود إلى السؤال الأولي: هل يمكن اختراق هاتفك عبر صورة؟ الإجابة، كما رأينا، هي نعم مؤكدة، ولكنها محاطة بسياق تقني معقد. لقد أثبتت هجمات مثل Stagefright و FORCEDENTRY أن استغلال الثغرات في مكتبات معالجة الصور ليس مجرد نظرية، بل هو سلاح حقيقي في ترسانة المهاجمين الأكثر تطورًا، وغالبًا ما يكون مدعومًا من جهات حكومية. هذه الهجمات نادرة، وتتطلب استغلالات "يوم الصفر" باهظة الثمن، ولكنها تظل تهديدًا قائمًا.


ومع ذلك، فإن خطوط الدفاع ضد هذه الهجمات التقنية قوية ومتعددة الطبقات. يأتي الدفاع الأقوى والأكثر فعالية من المنصات الرقمية نفسها، التي تقوم بعمليات إعادة ترميز وتطهير واسعة النطاق للصور كجزء من عملياتها اليومية، مما يحيد بشكل فعال معظم الملفات الخبيثة. يلي ذلك خط الدفاع الثاني المتمثل في التحديثات الأمنية المنتظمة من قبل مطوري أنظمة التشغيل والتطبيقات، والتي تسد الثغرات المكتشفة. تقع المسؤولية النهائية على عاتق المستخدم في تثبيت هذه التحديثات بانتظام.


لكن ساحة المعركة تتغير. فمع كل تحصين للجبهة التقنية، يتجه المهاجمون بشكل متزايد نحو استهداف الحلقة الأضعف: العنصر البشري. إن صعود الذكاء الاصطناعي التوليدي يبشر بعصر جديد من الهندسة الاجتماعية، حيث يمكن إنشاء هجمات تصيد وتزييف عميق مخصصة ومقنعة للغاية، تتجاوز الدفاعات التقنية وتتلاعب مباشرة بالإدراك البشري والثقة.


في نهاية المطاف، يتطلب الأمان في العصر الرقمي نهجًا مزدوجًا. يجب أن تستمر الدفاعات التقنية في التطور، مع التركيز على البرمجة الآمنة، والتطهير الصارم للمدخلات، والتحديثات السريعة. وفي الوقت نفسه، يجب أن يرتفع مستوى الوعي واليقظة لدى المستخدمين. إن الدفاع النهائي هو مزيج من الأنظمة القوية والمستخدمين المتعلمين والمشككين، المستعدين لمستقبل لم يعد فيه ما تراه أو تسمعه بالضرورة حقيقة.



المراجع المستخدَمة في التقرير


تعليقات